أن يتجرأ ابن على أمه أو أبيه، سواء بالكلمة الجارحة أو الصوت العالي أو حتى النظرة المتحدية، هو من أصعب المشاهد التي تمر بها الأسرة، وأكثرها ألمًا للأبوين. ولكن هذا السلوك لا يظهر فجأة، بل هو نتيجة تراكمات، رسائل صامتة ومواقف سابقة لم تُعالج بطريقة صحيحة.
---
أولًا: متى يبدأ الابن في التجرؤ على والديه؟
عندما يشعر أن لا عقوبة حقيقية لما يقول أو يفعل.
عندما يعتاد سماع كلمات مهينة أو يرى نفسه دائمًا مخطئًا في نظر والديه.
عندما يعتاد الأبوان السكوت أو التراجع عند كل صدام خوفًا من الانفجار.
عندما يتعامل الأهل بعنف في صغره ثم يتوقعون الطاعة في كبره.
عندما يشعر أن مكانته في الأسرة مهزوزة أو أنه غير محبوب كما يجب.
---
ثانيًا: الأسباب العميقة وراء التجرؤ
1. غياب الاحترام المتبادل من الصغر:
إذا تربى الطفل على الصراخ والتوبيخ ولم يُعامَل باحترام، سيكبر دون أن يفهم لغة الاحترام، وسيقابل القسوة بالقسوة.
2. التدليل الزائد أو ضعف الحزم:
الطفل المدلل يُربى على أنه محور الكون، فإن كبر ولم يجد من يخضع له، تجرأ ليأخذ ما يريد بالقوة.
3. الخلافات بين الأبوين:
عندما يرى الابن أمه تُهان، أو أباه يُنتقص من مكانته، يسقط من عينيه مفهوم "القدوة" والهيبة.
4. رفاق السوء وضعف الانتماء الأسري:
إذا لم يشعر المراهق بالحب والانتماء في البيت، سيبحث عنهم في الخارج، وقد يتشرب أفكارًا متمردة من أصدقاء منحرفين.
5. الانتقام الصامت من التهميش أو الظلم:
بعض الأبناء يتجرؤون حين يكونون قد كتموا طويلًا شعورًا بالظلم، سواء مقارنة بإخوتهم أو عدم الاستماع لهم.
---
ثالثًا: العلامات المبكرة للتجرؤ
الإجابة بنبرة تحدٍ أو تهكم.
التهكم أو الاستهزاء الواضح.
التقليل من قيمة رأي الأبوين.
التمرد أمام الآخرين دون حياء أو احترام.
---
رابعًا: كيف أتعامل حين يتجرأ ابني عليّ؟
1. لا تردي الغضب بالغضب:
حافظي على هدوئك. الصراخ أو الضرب يعطيه شعورًا بالقوة ويزيد تمرده.
2. كوني حازمة لا قاسية:
قولي له بهدوء وقوة:
> "أنا أمك، يحق لك تزعل، تناقش، لكن لا يحق لك تتكلم معايا بالطريقةهذه أبدًا. احترامي ليس قابلا للنقاش."
3. انسحبي من الجدال لحين التهدئة:
إذا احتد الحديث، قولي:
> "هنكمل كلامنا لما تهدى وتحترمني، ساعتها أسمعك."
4. عاقبي بحكمة:
لا تتركي السلوك يمر. اسحبي امتيازًا، ألغِ خروجة، خفّضي من وقت الهاتف، ولكن دومًا اربطي العقاب بالسلوك، لا بالشخص.
5. بعد التهدئة، تحدثي معه بقلب أم:
> "اللي عملته وجّعني، مش لأني ضعيفة، بل لأني شايفاك بتبعد عن نفسك الحقيقية اللي أنا ربيتها بحب. أنا مش ضدك، أنا معاااك، بس مش هقبل أبدًا إنك تجرحني."
---
خامسًا: الحلول الوقائية – كيف نمنع التجرؤ قبل أن يبدأ؟
ازرعي الاحترام منذ الطفولة، لا الخوف.
كوني قدوة في التحكم بالغضب والحوار المحترم.
أعطِه فرصًا للتعبير عن رأيه، فكل مكبوت سيتحول لسيف.
احرصي على العدل بين الأبناء.
قومي بتعزيز هويته وقيمه الدينية والأخلاقية.
---
واخيرا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليس منا من لم يوقّر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه."
فإذا كان احترام الكبار من علامات الإيمان، فغرس هذا المعنى لا يكون بالضرب أو الخصام، بل بالمحبة الحازمة، والهيبة المبنية على العدالة والرحمة.
رسالة لكل أم وأب:
ابنك حين يتجرأ، لا تراه خصمًا… بل هو استغاثة متأخرة، فأنقذ قلبه قبل أن تنكسر العلاقة. كن قويًا بحكمتك، لا بصوتك.
وإن تألمت، فقل:
"اللهم ارزقني صبرًا وحكمة، واهدِ لي ولدي، واصلح بيننا، ولا تجعل للشيطان بيننا سبيلًا."